أُنْثَى المَطَر

أُنْثَى المَطَر

:
يبدو المطر واثقاً وهو ينهمر بهذه الغزارة ..!
كان المطر في حضوره القليل يشبه نبوءة تجعلني أتيقن بشوقها إليّ .. قبيل الهطول مجرد شعور .. أثناء الهطول بشدة أكثر .. وتخف ذروته بعد الهطول .. هكذا كانت طقوسها وتقلباتها .. لذلك كنت أتحيّن مثل هذه الفرص النادرة في بلد لا تمطر سمائها كثيراً من أجل أن أظفر بلقاء تحكمه مدة الهطول وتباركه قطرات المطر ..!
وبقدر ما كنت أنتظر هذا المطر .. بقدر ما كنت أغار منه .. لأنه الوحيد الذي يحرك مكامن الشوق في قلبها ويستطيع السيطرة على كافة تقلباتها ومزاجيتها العجيبة ليجيّرها إلى مزاج شاعري يدعوها لدعوتي بشكل عاجل .. فأذهب في عجالة عاشق يستبق خطواته ويتعجل الزمن ليصل إلى حبيبته فيتدثر في حضنها عن قطرات المطر وبرد الشتاء ..!
أما أنا فكنت أتعجل الخطوات وأستبطأ الزمن في الوقت نفسه وأحاول أن أصل قبل أن يتوقف المطر وتختفي ذروة الشوق ويصبح الموعد لاغياً .. فأركض حين أخرج من البيت ناسياً معطفي ومظلتي غير مبالٍ بما سيلحقني من برد وبلل وأنا أدعو الله أن يطول هذا المطر ويمتد ساعات وساعات لعلي أصل .. وأختبئ في تلك العيون الكسلى عن مارد الشوق وجنونه الذي ظل يعذبني كثيراً ..
غريب أمركِ حبيبتي ..
فجذوة النار يطفئها المطر .. وجذوة الشوق في قلبكِ تشتعل كلما زاد وقع المطر .. لدرجة تجعلكِ أكثر لطفاً وأكثر عطفاً وأكثر حناناً حين نلتقي ولكن في حديثكِ فقط .. ولم أكن أستطيع ملامستكِ .. فالحميمية لديكِ وقمتها أن أجلس على ذلك الكرسي المواجه لمزاجكِ العجيب وبهيئتي المبللة لتقومين برسمي وشعور ما يجعلكِ تظنين أنكِ هكذا تتوحدين معي وتخترقين جسدي بعنفوان ريشتكِ لتجعلِ منه جسداً شفافاً يمكنكِ معه أن تري قلبي وعاطفته المتأججة وتحاورين عقلي في لحظةٍ من اللاوعي .. لأخبركِ بكل التفاصيل أثناء غيابكِ دون أن أكذب .. فأسعدكِ أو أحزنك .. وينعكس ذلك على تلك الصورة التي ترسمين وتخبئ رموزاً وألغازاً لمزاجكِ وشخصيتكِ وحزنكِ ..
إنكِ امرأة غريبة !
أبداً لستِ امرأة عادية ..! ولن يكون بالتأكيد حزنكِ عادياً ..
كنت ومازلت أصدق ذلك .. وأكّذب تلك الأقاويل التي تدّعي أنكِ مريضة نفسياً ..
فكيف تكونين كذلك وأنتِ من تجيدين تعريتي من صمتي دون أن تسأليني عن شيء واحد ..!؟
كيف تكونين مريضة نفسياً وأنتِ تمارسين عليّ دور التنويم المغناطيسي بمجرد أن تشرعِ في رسمي حين نلتقي ؟!
كيف تكونين مريضة نفسياً وأنتِ من جعلتِ لقاءاتنا تحت المطر فقط .. ودون أن أناقشكِ بحرف واحد ..؟!
ربما كانوا هم المرضى وأنتِ العاقلة الوحيدة !
ربما كنت أنا المريض .. وربما كنا جميعاً مرضى ..!!
لكن قناعتي كانت أن أحبكِ في كل حالاتكِ .. في رضاكِ وغضبكِ , في صدقكِ وكذبك , في وصالكِ وجفاؤكِ , في عنادكِ , وفي مزاجكِ العجيب وطريقة حبكِ الغريبة ..!
سألتكِ يوماً : " كيف يبدو المطر ؟ "
قلتِ وأنتِ تطيلين النظر في لوحتكِ وكأنكِ تطابقين بينها وبين ملامحي : " إنه عميق ؛ عميق جداً ! "
حاولت أن أفهم , ولكن كما جرت عادتي . لم أفهمكِ أيضاً ..!!
دائماً كان حديثكِ لي يشكل لغزاً كبيراً يحمل عدة معاني , لذلك كنت أقول بكل ما أوتيت من جرأة : " أنتِ أنثى الاحتمالات ! " ثم أهرب بنظراتي بعيداً عن نظراتكِ التي كانت دوماً تحتقر سذاجتي فهمي ومحدودية عقلي معكِ ! ولم تكن تلك الألقاب والتعليقات التي أطلقها ببراءة تعجبكِ وما أكبر مساحة مالا يعجبكِ .. لذلك لو أنني لم أعرفكِ لوجدت في هذا سبباً منطقياً لهروبكِ من هذا المجتمع المجنون والزمن المجنون إلى مصحة العقلاء أو من هذا المجتمع العاقل والزمن المفرط في العقلانية إلى مصحة المجانين .. !!
ولكني أعرفكِ جيداً .. وإن لم أفهمك !
" فالرسام يتوحد مع ما يحب , فإن خذله ما يحب , جُن بالحب أو جُن بالموت "
كنت ترددين دوماً : " المجانين حكماء أفرطوا في فهمهم لقوانين الحياة ! " وأحياناً تقولين : " المجانين .. عقلاء قضى عليهم فهمهم " وأتذكر حين قلتِ تلك العبارة الأخيرة ذات مرة أنني سألتكِ سؤالاً كان يدور في أعماق عقلي , مستغلاً بذلك شهوتكِ للحديث والتحاور فقلت : " ماذا يعني المطر ؟! " وقبل أن تجيبِ أردفت بأسئلة أخرى قبل أن تتقلص بفعل مزاجيّتك مساحة الحديث وطرحت الأسئلة تباعاً : " ما هو سر لقاءاتنا تحت المطر ؟ , من أنا ومن أنتِ وما دخل المطر في كل ما يحدث بيننا ؟! "
تعالى ضجيج أسئلتي حتى أشرتِ لي بإصبعكِ طالبة مني الصمت .. وبعد لحظات صمت كنتِ تركزين فيها على تقاطع الألوان في لوحتكِ قلتِ : " المطر يبدو أنيساً , أليفاً , وأحياناً يبدو حزيناً مخيفاً , إنه سقيا ورحمة , وأحياناً عذاب ونقمة , وبين تقلباته أجدك محاطاً ببلله وأحاول أن أفهمه , أريد أن أرسمه ! "
فقلت ببراءة فهمي : " أمن أجل هذا أنتِ هنا ؟! "
ابتسمتِ بسخرية وقلتِ : " كيف تملك هذه القدرة العجيبة على اختصار الأشياء وإيجاز الأمور ودسها في جملة ساذجة كتلك التي قلت ! "
كنت أحمقاً حين أوجزت أعماقكِ !!
كنتِ حمقاء حين أكثرتِ من رسم الدوائر حول الأمور المعقدة !
أحدنا أحمق .. أو كلانا ..!
ساد صمت طويل كنتِ خلاله تتأملين ملامحي وكأنكِ تسترجعينها لذاكرتكِ بعد غياب طويل .. فبين مطر وآخر مدة طويلة كافية لتغيير الملامح بعض الشيء ثم قلتِ : " تبدو مرهقاً , الإرهاق يرتسم تحت عينيك .. يبدو وكأنه إشعار بالجنون ! "
كنت أتأمل وأستمع لنوبات جنونكِ تلك وأنا أظن أنكِ تشتمينني أو تسخرين مني حتى قلت مردفة : " هنيئاً لك .. أنت تتحول من السذاجة إلى الجنون , والجنون هو أعلى مراحل التفكير حين نريد أن نفهم هذه الحياة المعقدة ونضع آلية للتعامل مع تقلباتها ومتطلباتها المفاجئة "
كنت أسترق النظر إليكِ وأشعر بأني أبتلع لساني ؛ فلا أجرؤ على قول المزيد من السذاجة التي تعكر مزاجكِ وأنتِ من بدأت للتو تلاحظين أنني بدأت أنتمي لعالمكِ المجنون أو العاقل .. ولكن حين لاحظت دمعة تعلقت في كبرياء عينيكِ شعرت أن لساني بدأ ينمو من جديد لأتحدث وأستدّر العاطفة في قلبكِ وعقلكِ معاً بما أريد أن أصرخ به من حقائق ولوعات تسكن دهاليز صمتي وعتمة أعماقي ..!
كان لساني ينمو أكثر فلم أعد أستطيع إخفائه في فمي دون أن أفرغ ما فيه من عتب فقلت صارخاً والعبرات تستقطع صوتي أحياناً : " نعم .. أنا مرهق .. مرهق لأنني بدأت أفتقدكِ .. مرهق لأن بيتي فارغ من كل شيء منذ أن تركتيه رغم وجود كل شيء عدا أنتِ .. مرهق منذ أن بدأت أعيش مع ذكرياتنا وتلك الصور والحزن ينبت في قلبي , مرهق منذ أن بدأت أزور مرسمكِ وأبقى في ركن لوحاتكِ وأبحث عن انتفاضة تجعلني أمزق كل لوحاتكِ لأكرهك كما أحببتكِ فأجدني أزيد ولاءً لكِ وحباً .. مرهق منذ أن بدأت أعيش وحيداً منذ عامين هي عمر هجركِ للبيت ولأطفالنا الثلاثة ولي وللمجتمع والزمن .. مرهق منذ أن أخذ المطر كل عائلتكِ وترككِ لي جسداً بلا روح .. وعقلاً بلا تفكير .. وقلباً بلا عاطفة !! "
هنا صرختِ فجأة : " اسكت .. لا تحاول أن تشوه المطر في عينّي "
فأجبتكِ والدموع تتسربل من عينّي : " أعلم أنكِ لطالما أحببتِ المطر .. وشعرتِ أنه محفز لترسمي .. هكذا عرفتكِ وهكذا أحببتكِ .. ولكنكِ انقلبتِ تماماً وجننتِ منذ أن أبتلع المطر أهلكِ في ذلك الوادي !! "
كنتِ تشيحين بوجهكِ عني هرباً من الحقائق ومداراة لدموعكِ .. وكنت أشيّع الحقائق بشرح معاناتي فأقول : " أتلاحظين أنني مرهق .. ؟ هل تعلمين أنني لا أنـام ؟ هل تلاحظين أيضاً أنني فقدت جزءاً كبيراً من وزني ولم أعد أهتم بمظهري ؟ وهل تعلمين أنني أراكِ بين مطر وآخر فقط تحقيقاً لرغبتكِ وبالتالي أكابد ما أكابده من الشوق من أجل رضاكِ .. لذلك أظل أنتظر المطر وهطوله في الشتاء أشهراً طويلة دون أراكِ إلا عن بُعد أحياناً أو حين يرزقني الله بسحابة صيف عابرة تدُر المطر "
كان المطر قد بدأ يهدأ تدريجياً .. ثم توقف نهائياً ..
وحينها نظرتِ إليّ بعينيكِ الذابلتين حزناً وقلتِ : " لقد انتهى المطر .. أغرب عن وجهي .. أريد أن أنـام !! "
خرجت منتظراً مطراً آخر وأنا أجر أذيال خيبتي .. وحين صادفني طبيبكِ المعالج سألته عن حالتكِ فقال :
" عليك أخي أن تقدر أن زوجتك فنانة , وذات إحساس مرهف عالي يصعب التحكم بدرجته وهذا ما جعلها تتوحد مع الأشياء التي تحبها توحداً وهمياً .. كتوحدها مع المطر الذي كانت تعشقه كما رويت لي أنت .. وفجأة حين أخذ المطر منها عائلتها دفعة واحدة .. شعرت أن المطر قد خذلها .. لذلك فقد جنّت بحبه أو جنّت بالموت فبدأ عقلها اللاواعي يصور لها أن عليها عقد هدنة مع هذا المطر بأن لا ترى من تحبهم إلا تحت وقع المطر .. ربما كان هذا خوفاً عليكم من أن يبتلعكم ولكن هذا أيضاً يعتبر شوقاً وحباً لأنها ترتبط بعشق طفولي وإحساس فنان متوحد مع المطر منذ صغرها فترغب أن تراكم وترسمكم وتعمل كل ما تحبه حين وقع المطر .. وعليك أن تصبر وتحقق لها هذه الرغبة كجزء من العلاج .. "
الآن أصدق أن الرسام يتوحد مع ما يحب .. فإن خذله ما يحب جُن بالحب أو جُن بالموت .. وقد جننتِ أنتِ بالاثنين معاً حين اخترتِ لنا لقاءات المطر .. فقط تحت المطر في بلد لا تمطر سمائها كثيراً ..
حين آتى المطر كنت أكتب هذه السطور وكانت شدة المطر وغزارته تشي بحرائق الأشـواق في قلبكِ .. إنما كنت أقاوم رغبتي في المجيء لعل هذا يعود بكِ إليّ .. فكنت كلما زاد المطر أزداد كتابة وأدخن سجائري بكثافة .. وأشعر بأن صوت فيروز المنبعث من ذلك المذياع يتغلغل إلى أعمق نقطة في عقلي وهي تردد أبيات أغنيتها الجميلة :
جادك الغيث إذا الغيث هما
يا زمان الوصل بِـ الأندلسِ
لم يكن وصلك إلا حلمـاً
في الكرى أو خلسة المختلسِ

فإليكِ هذه السطور يا أنثى المطر .. وعندما تقرئين هذه السطور أريدكِ أن تعرفي أنني أحببتكِ بعدد قطرات المطر .. عند المطر أو عند الجفاف .. بقدر ما أحببتِ أن ترينني تحت وقع المطر وغزارة انهماره في أيام معدودة لا تتكرر كثيراً ..
آهـ .. لقد توقف المطر !!

HamsaT
17/ 11 / 2010 مـ

رائع جدا
وتانك يووو
وصديقى ادا رست سفينه الدكريات ..... يوما على شاطئك فتدكر نى

رائع جدا
وتانك يووو
وصديقى ادا رست سفينه الدكريات ..... يوما على شاطئك فتدكر نى

رائـــــع جدا
يعطيك العافيه

تحياتي الك

تعال هنا للحساب يا امبراطور
كدا بتسرق صورتى الشخصية
بعدين لازم تتخالف
لانو حقوق النسخ لصورى
محفوظة

يعنى انتا كد\ا عرضت حالك للمسؤولية
وبكرة بنتشاوف
هههههاااؤ

تحياتي لمروركم العطر الذي أنار متصفحي

هع هع هع
يا حرام أنسرقت ًصورتك هع هع

ههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه
حبيبي أبو وديع
بمووووووووووووت فيك أنا
جاهزين للحساااااااااااااااااب